الصباحُ الحيُّ
هو الّليلُ الطويلُ
هو زمنُ
السجون الأعزل
هو سريرُ
المستشفيات
الأليم
هو الدّمُ
المسفوحُ بطيئا من جرح

السنونواتُ تخترقُ الهواءَ
ولا تَنشَقُّ السّماواتُ
تَعكسُ البحيرةُ الغيمَ
ولا يهتاجُ المّاءُ

نُثِيرُ الوقتَ
بعبورنا سريعا
ويتشكّلُ الفَلَكُ
صافيا من دون تَبَدُّلٍ.

حدثني عن شجرة كيف هي.
حدثني عن نشيدِ نهرٍ
حين يتغطى بالطيور.
حدثني عن البحر
حدثني عن العطر الوافر للحقول،
حدثني عن النجوم، وعن الهواء.

مقدر

حياتك على شاطيء بحر،

موتي في قاع بئر.

مقدر

المائدة الجاهزة،

مع الكؤوس والسكاكين.

حين أنطق كلمة مستقبل

ينتمي مقطعها الأول سلفاً

إلى الماضي.

حين أنطق كلمة صمت

فأنا أحطمها.

كل يدٍ تُقيمُ غيمَتها
في سماء مختلفة
ولكن يوما ستجدها
في سماء الجميع.
حينها فقط يمكنها أن تصير
قطعة الأرض الموعودة
التي كانتها قبل أن تكون يدا.

جذلى أترجّلُ للقاء أحلامٍ
لأني فيها سألقاك
وسأندَلِقُ بين ذراعيك
ضاحكةً
لكن أحيانا
تبدو كأنك تتجاهلني وتنأى عني
عبر طرقٍ فارغة
وكما هو باطلٌ حين أناديك،
أصعدُ، هناك
في صمت.

ترددنا للحظة
وعرفنا سريعا
أننا نحمل المرضَ نفسَه.
ليس هناك من تحديد
لهذا العذاب السامي،
البعضُ يسميه سأما،
وآخرون يسمونه قلقا.

لا تأت بالحقيقة كلها.
لا تأت بالمحيط من أجل عطشي،
لا تأت بالسماء حين
أرغب في مصباح،
تعال فقط ببعض البريق،
ومن الندى
أرغبُ في نُدفةٍ،
مثلما تحملُ العصافير
القطرات بعد الغطس،
مثلما تحملُ الريحُ
بذرةَ الملح.

جالسا على الكرسي
أرسم كرسيا
القلبُ بحاجة دائما
لقُوّةٍ ودُودَةٍ
ليس هناك من طريق في الأخير
أَلِجُ رسمي وأجلس على الكرسي
الكرسيُّ الحقيقي الآن
بدا دافئا
والريح الندية
يمكنها أن تهب في كل الزوايا حيث أجلس.

تضعين أمامي الكأس
والقنينة
هي إشارة عزيزة عليَّ
ويدُكِ في يدي

ها نحن نشرب منذ عشرين سنة
شيء نحبه معا
من دون أن تنكسر الكأس
أو تفرغ القنينة

سيأتي يوم حيث أحدنا
لن يكون ليَشربَ
ولا ليَسْكُب.

لو انطفأ الأسى
مثلُ فحمٍ مدفونٍ،
سَيضطجِعُ القلبُ بهدوء،
وستكونُ الروحُ المتماسكةُ
مطمئنةً مثلُ حجابٍ،
لكني كنتُ أنظرُ الليلةَ كلَّها
إلى نارِ الصّمتِ تتعاظمُ،
وإلى الرّماد العذب بلونه يتنامى:
وأُخلخلُ حجرَ الصُّوانِ العاصي
الذي تَركتْه الشُهُبُ بالموقد،
ويَهتاجُ الأسى، ويَمينُ القلب
يضطجعُ في العجز.

أنا الآن يدٌ
يدٌ ممدودة،
يدٌ فارغة،
مفتوحةٌ، وزرقاءَ وجامدة.

لماذا البنفسج
لماذا الحياة.
للاشيء.

أنا الآن عينان،
عينان بلا بريق
تستلقيان فارغتين
في الضوء الموحش.

أن تنهضَ متأخرا، هذا يعني
أن تجدَ الزهرَ بلا ندى، والرأسَ منحنيا.
أن تنهضَ متأخرا، هذا يعني
أن الحبَّ لم يترك هنا سوى ظله.

منحنيةً على روحيَ القاتمةِ
سأُبْدِي قوافيَ هزيلةً
مقطوعةً من العالم بسبب
تَقَلُبٍ مُفاجئٍ
يضربُ حتى الموت
فجريَ الخجولَ.

هذه الأبياتُ تقولُ بلا شكّ أشياءَ كثيرةً،
ستُبصرون، وستقرؤون.

توار للحظة، واترك مكانا للمشهد،
ستكون الحديقة أجمل مثلما كانت قبل الطوفان،
من دون بشر، يصير الصبار مجددا نباتا،
ولا علاقة لك بالجذور التي تبحث
عما سيفلت منك،
حتى وأنت مغمض العينين.

اختفيتَ أنتَ

حيثُ تطوفُ.

أُعْبُر تارةً بغفوتي

أنا هناك عادةً

إلا إذا كان القمرُ يبكي

فإني أتهيّأُ لأكونَ بالشرفة

كي أتمنى من (لأنّ) ما الذي يحدثُ.

لندع الكلمات تسقط
مثل الفاكهة أو مثل الأوراق،
فقط تلك التي نَضِجَ فيها الموتُ.
لندعها تسقط،
ذابلةً حتى التعفن،
كاسيةً بلحمها
العظمَ الإلهي.

هكذا افترقنا،
من دون أن يمدّ أحدُنا يدَه للآخر،
منسحبَين مثل شيء لم يكتمل.
مثل سيجارة
أو شراب الليمون.
هذا لأنك لم تصيري أنا.

أملك طائرا أسود

كي يحلق ليلا

وللتحليق بالنهار

أملك طائرا فارغا

لكني أدركت

أن الاثنين اتفقا

كي يشغلا العشَّ نفسه،

والعزلةَ ذاتها.

يومي عبثيٌّ بلا معنى:
رغبتُ في صدقة من فقير
ومنحتُ للغني بكرم فائض
ألبستُ الإبرةَ شعاعا
وتعهّدتُ بمفتاحي لسارقٍ
وخضّبتُ خدّي بالبياض
لم يهبني الفقيرُ خبزا،
ولم يأخذ مني الغنيُّ المالَ
ولم يدخل الشعاع الإبرةَ
والسارقُ يتسللُ بدون مفتاح
والغبيّةُ تبكي كثيرا
على يومها العبثي.

أشكرُ وطني لأخطائه،
تلك التي ارتُكبت، وتلك التي نراها قادمةً،
عمياءَ وفاعلةً في حدادها الأبيض.
أشكرُ الزوبعةَ المضادةَ،
نصفَ النسيان، والحدَّ الشائكَ للمماحكات،
النفيَ الماكرَ للبادرة الخفية.

أغمضي عينيّ: سأراك مجددا
سُدّي أذنيّ: سأسمعك أكثر
بلا أقدام سأمشي نحوك
من دون فم، سأتضرع إليك أكثر
اقطعي ذراعي: سآخذك
بقلبي كما بيدي
انتزعي قلبي بينما عقلي يخفق
وإذا أضرمت النار في عقلي
فسأحملك في دمي.

قلتُ لكِ:
– لقد انحنيتُ
فقلتِ لي:
– لا تكوني حزينةً.
ايأسي بهدوء.
تَقَبّلِي أن تَرَيْ بسكينةٍ
الساعةَ المتوقفةَ.
كوني خائبةً كما يجبُ
تخيلي كما لو أنها لم تكن معطلةً
وهكذا يستمرُّ وقتُك الخالص.

حلُمتُ بترتيب الخير والشر،
مثلما يرتب العلماء الفراشات:
حلمتُ بتشبيك الخير والشر
على القطيفة السوداء
لواجهة من كريستال.
أسفلَ الفراشة البيضاء
لنا أن نقرأ: الخير.

منذ أن عرفتكَ
احتفظت في جيبي بأحمر الشفاه،
من السخافة أن نتجول بأحمر الشفاه
في الجيب، فيما أنتَ
تراني بوقار، كما لو أن في عيوني
تريد رؤية كاتدرائية غوطية،
أما عني فلست معبدا،
لستُ سوى غابةٍ أو مرجٍ،
أو أوراقٍ ترتعشُ وتحلقُ
لمعانقة يديك، هناك، في الخلف،
يغني الجدولُ، إنه الوقت
الذي يُفلتُ، وتسمحُ له أنتَ بالانزلاق
بين أصابعك، إنك لا ترغبُ في رؤية الوقت.

أرغب أن أحولك

إلى إيمان عذب

إلى طفل مبلل بالمطر

مرتجفاً من هذا البرد الماكر

الشبيه بالخوف.

التراضي بين العتمة والضوء
ليس هو الظل،
كذلك المستنقع
ليس هو الوفاق بين البحر والأرض.
مُدّ يدك في النوم
ولا تتنفس أبدا حتى تمس
أطرافَ أصابعي المتدلية نحوك.

لو تجرأتَ وسألتني عن
حقيقةِ هذا الجدارِ القديمِ
بشقوقِه، وتصدعاتِه
التي تشكلُ وجوهًا، وتماثيلَ،
أيديَ، وساعاتٍ رمليةً،
ستتجلّى حتما
حضورًا لعطشكَ
ومن دون شك سيختفي
هذا الغياب الذي يشربُك

لقد عرفتَ سيدا لطيفا،
بفندق رخيض.
وأخذتَ شرابا فاتحا للشهية.
أخبركَ عن محيطٍ،
وعن غابةٍ بطرائدها الكثيرة
وعن علاقات حب هالكة!

أنا مجنونةٌ بك، حبيبي
الذي أتى يفتش
في ماضيَّ
عن لُعَبِ كلماتي المكسورةِ.
سأهبُك كلَّ شيء
لو رغبتَ،
لستُ سوى طفلةٍ
مليئةٍ بالشِّعرِ
ومكسوةٍ بدموعٍ مالحةٍ،
أرغبُ فقط في النوم
على ضفة السماء المرصعة بالنجوم
وأن أصيرَ نسيما عذبا
لأغاني الحُبّ من أجلك.

لم يكن لي هذا الوجهُ اليومَ،
الهادئ جدا، والحزين حقا، والنحيف كثيرا،
ولا هاته العيون الفارغة،
ولا هاته الشفة المرة.

لم تكن لي هذه الأيدي الضعيفة،
المتصلبة كثيرا، والباردة والميتة،
لم يكن لي هذا القلبُ
الذي لا يتراءى حتى لنفسه.

كان منذُ زمنٍ حينَ شعرتُ
بأني ببيتي أقيمُ في جسدي،
أعرفُ مكانَ كل شيء:
النافذةَ حيث تشرق الشمس
والجدارَ في الشمال،
لم أكن أبدا متعبةً،
أجدُ منذ الصباح
إلى غاية المساء ما يشغلني،
لو ذهبتُ خارجا
أشعرُ بالحماس في العودة.

سأقولُ بأني لا أرى شيئا، ولا أعرفُ.
شيءٌ مّا معلقٌ، والساعةُ متوقفةٌ.
أرغبُ أن أكون حيّا مثل جُرحٍ، أو مثل علامة.

يَخْمُدُ الشعرُ في داخلي شيئا فشيئا،
سوى الآحاد،
حيث ألقي إليه،
حطبا ميتا، وكلمات عاطلة.
حينها أشهدُ تجلي
بعضِ الطيور التي تشكو
كونها بجناح وحيد.

يقول العقل إن النملة تسعى.
فيقول الحب إنها تعاني.
يقول العقل إن الوردة تتفتح.
فيقول الحب إنها جميلة وستموت.
يقول العقل إن الصخرة بكماء.

أنادي الصمتَ
الفمُ في يدٍ،
والموتُ في اليدِ الأخرى.
هَيأتُ له بِذَارَ الجَمَال،
وطالبتُه بضمانٍ لأجل الصرخة،
وأحصيتُ له جُرعَتَه من الجواب.

هكذا هو الحنين:
أن تقيمَ في الغيم
وألا تكون منفيا في الوقت.
وهكذا هي الرغبات:
محاورات بصوت خفيض
لساعات دائبة مع الأبدية.

وضعتُ حلمي بزورقٍ
ووضعتُ الزورقَ بالبحر،
ثم أشرعتُ بحرَ يدي
حتى يَغرقَ حُلمي.

لا زالت يداي نَديتين
بأزرق الموجات المشقوقة،
واللونُ الذي يتدفق من أصابعي
يَصْبَغُ الرمالَ المقفرةَ.

ظننتُ:
أنها لن تتغيرَ أبدا

تنتظرُ دائما
مرتديةً ثوبا أبيضَ
وبعيونها الزرقاء
على عتبة كل البيوت

دائما تبتسمُ
واضعة هذه القلادة

وفجأةً
يتقطّعُ الخيطُ
واللآلئ الآن تُمضي شتاءَها
في شقوقِ أرضيةِ البيت

تُحبُّ أُمّي القهوةَ
والموقدَ الدافئَ
والهدوءَ

جالسةً
تضعُ نظاراتها
على أنفها الذلق

تقرأُ قصيدتي
ورأسُها الأشيبُ ينكرها

انفلتتْ من بين ركبتيها
ضامةً شفتيها وتكتمُ
إذن هو حوارٌ بلا بهجةٍ
على ضوء مصباحٍ منبعِ العذوبة

حزنٌ ظَمِئٌ
من أيّ الآبار يشربُ إذن
وعلى أيّ الطرق يسيرُ
هذا الولد المختلف حقا عن الأحلام

غذيتُه بحليب عَطُوفٍ
ولكنّ القلقَ يُلهِبُهُ
غسلتُه بدمٍ فَوّارٍ
لكنّ يديه باردتان وخشنتان

بعيدا عن عينيك
اللتين يتخللهما الحُبُّ الأعمى
العزلةُ أسهلُ من أن نَتَحَمّلَها

أسبوعٌ بعد ذلك
في غرفة باردة
قرأتُ رسالتَها
فانقبضَ حلقي

في صفحة حيثُ
كلّ الحروف معزولةٌ
مثلُ قلوبٍ عاشقة.

لماذا لا يَحْبُو الشِّعرُ أدنى تحت الشمس؟
مثلُ طائرِ السُّمّان يداري الخطرَ
قبل أن يتهيأ لتحليقٍ مباغتٍ؟
لماذا لا يكونُ مثلَ باقةِ أرجوانٍ
ملقاةٍ في عربةِ يَدٍ تلطخت الآن بالقار؟
أو هذا القليلُ من الثلج الذي يذوب باليد الوردية للطفلة؟
السنونو الذي يترك ثلما على الجدار؟
الوردةُ التي تَفُضُّ خَتْمَ حَجَرٍ؟
صدعان يتقاطعان بنافذة.

الشعراءُ يشتغلون ليلا
حين لا يتعجلهم الوقت
وحين تَخْرُسُ شائعةُ العوام
وحين تتوقف غوغاءُ الساعات.
يشتغل الشعراءُ في الظلام
مثل نسور ليلية أو بلابلَ
بنشيدٍ أعذب.

لستُ بحاجة إلى المال.
أنا بحاجة إلى العواطف،
إلى الكلماتِ، إلى الكلماتِ المختارةِ بعناية،
إلى ورودٍ شبيهةٍ بالأفكار،
وإلى زهورٍ تشبه الوجودات،
إلى الأحلامِ الجاثمة على الأشجار،
إلى أغانٍ ترقصُ لها التماثيلُ،
إلى نجومٍ تُتمتمُ في آذان العشاق.

ترتعش الشعلة
ويرتعش بريقها في الماء.
يرتعش ظلكِ في الهواء
والضوء في تطلعِك.

في البعيد من النشيد
يرتعش صوت الجرس
يرتعش صوت السيل
وصداه في الجبل.

لا أذهب دائما وحيدا إلى أعماقي
بل أقود إلى ذاتي أكثر من كائن حي.
الذين دخلوا كهوفي الباردة
هل هم على يقين من الخروج منها ولو للحظة؟
مثل وريد يغرق، أحشر في ليلي،
باضطراب المارة والبحارة،
وفي الحجرات، أطفئ النور أمام الأعين،
وأصنعُ من الأعماق أصدقاء.

نحن نبدعُ نظامَ المائدة،
أغصانَ الظنِّ المقطوعةَ،
وليمةً من أنوار وظلال،
صورةَ الترحال في السكون.
نحن نبْسطُ مكانا أبيضَ
كي تتلألأ عليه
أصداء الفكر
حول الأيقونة الولودة.

الحياةُ تشبهُ شقيقَها الموت.
الموتُ ليس مختلفا،
يمكنك ملاطفته، ومصافحته، ومسح شعره،
سيهبكَ وردةً ويبتسمُ.
يمكنك دفن وجهك في صدره
وتسمعه يقول: حان وقت الرحيل.

لا تسرفْ في الكلمات
ولا تُعِرْها
اهتماما عظيما.
كلُّ شيء انتهى
ببساطة.
أَمِتُّ أنا؟
أنا سطوةٌ
شغفٌ بريءٌ، ورغبةٌ
رغبةٌ ساذجةٌ
في البقاء.

هل من اللازم،
هذا الجسدُ المحموم،
وهذه الروحُ الثقيلة
وهذا الأملُ وسط الحلازين؟
هل من النبل،
هذه النجمةُ العليا،
وهذا الصُّوان الصلب،
وهذا النهرُ الهارب؟
هل من الضروري،
هذا البؤسُ بالقلب،
وهذا العقلُ الشبيه بالجرذ
وهذه الكلمةُ العدوة للكلام؟
يقول الإله: « أنتَ على حق:
الإنسانُ عندي
خطرٌ عظيمٌ.

قل لي لماذا يحلق الطائر،
لماذا تكبر السنابل،
وتخضرّ الأشجار؟

لماذا تلمع بالورد
البراري في الربيع؟
لماذا لا يصمت البحر؟
لماذا لا تنطفئ النجوم؟

لماذا الصمت صاخب
في عزلة الريف
والماء القليل يختفي
بين ابتسامته وبكائه.

أسمعُ خَطْوَ رَجُلٍ ورائي
تحتَ القمر
يبذُرُ مخاوفَ على أثار خطاي.
يبذرُ توتا لخطوة حكيمة،
والماندراكورا لخطوة بائسة.

أسمعُ خطو رجل ورائي
تحت الشمس
واضعا بيضَ عصافير على آثار خطاي.

عليّ أن أقرأ قصيدتي لوحدي
تلك التي تعرفُني وتحبّنُي،
التي تبحر في العدم
وتعلمُ كلّ شيء، لأنها رائية.

التي تحيا في الحلم هيئةً:
في شكل إنسان، أو صمتٍ
والنَمِرُ، في قلبها، أحيانا،
يلتحق بالغزلان الوديعة.

أنت مدان
بأن تبدأ دائما
حتى النهاية.
الحبّ عندك
هو الاكتشاف المفاجئ
لحياة أخرى.
وكل ربيع جديد
هو عندك إبداع لعالم غير مسبوق.

في الهمهمة السامة
في ارتعاش العشب
في أجنحة النحلة الطائشة
يقيمُ الحب

مكسوٌ بالقُبَل
مثلما شجرة بقطرات الماء
فيما أعتقد

وحين أفكرُ فيكَ
هو مثلُ
فراشة تضربُ بجناحيها على راحة يدي
أسيرة وعمياء

والزمنُ
خلفي مستعد للوثب
محتفظا ببرعم على شاربه
في الآن

ما يبهجني،
هو الخط المجنح لكتفيك،
والعطفة التي ترسمها
 يا طائر الماء!

إنها قامتك الرفيعة والرشيقة،
ووداع الحلق
لمقابر الزبد!

ما يبهجني، هو الوداع،
حين تُفلِت الريحَ،
مخلصاً للسقوط، سريعاً وناعماً.

حين تراني
تكونُ عيوني مفاتيحَ،
للجدار أسرارٌ،
ولخوفي كلماتٌ،
وقصائد.
أنت وحدك
تجعلُ من ذاكرتي
مسافرةً مفتونةً،
وشعلةً متقدةً.

وجهي كلّ يوم
قمرٌ يغفو

مكسوٌّ بشباك من أخاديدَ
مثل مزهريةٍ يونانيةٍ
مسحوبةٍ من الأرض

ممتلىءٌ كلُّه بلمسةِ
الأيادي والشفاهِ التي صارت غبارا

هذه اللحظة
لم يعد جميلا سوى بالمتحف

هشٌّ كثيرا
وثمينٌ جدا
كي يُنتفَعَ به كلّ يوم.

لي ثلاثة عوالم
بحرٌ وسماءٌ
وحديقةٌ خضراءُ هي عيونك.
سأعبرُها هي الثلاثةَ،
وسأخبركم
أين امتدّ كلّ عالم منها.
البحرُ، أعلمُ أين.

يكتبُ الوقتُ على جسدي أبياتا من الشِعر
كثيرةَ الاضطراب
غيرَ مقروءة تقريبا،
ويَخطُّ على جلدي بعضَ الأفكار
من دون أن آذن له.

ضعي يَدَك
على جبيني،
كما لو أن يدَك
كانت يدي.

اعتني بي
مثلما تستعدين للقتل،
كما لو أن حياتي
كانت حياتك.

لمّا تحينُ ساعةُ موتي،
هل ستكونُ هناك يدٌ قربي
كي تَمُدَّ لي كأسَ ماءٍ
مع آخر قطرة مرغوبة؟

سأتمتمُ باهتياج،
سأصرخُ، لو ملكتُ القدرةَ،
من أجل القطرة الوحيدة العظيمة،
التي تشملُ الكونَ كلّه.

شعرتُ بالبرد في صدري بلا شكوى.
ومع ذلك أمشي بخفةٍ.
وضعتُ خطأ قفازَ اليدِ اليسرى
باليد اليمنى.

تذكّرتُ: يوجدُ الكثيرُ من دَرَجِ السلم.

في عمقِ البحر
يتحاورُ
الغرقى.

إنهم منهكون، منهكون كثيرا
حيث لا يشعرون بالبلل على ثيابهم.

وليس عليهم أن يبكوا
لأن البحرَ ليس سوى دموعٍ.

أحيانا أكونُ والموتُ واحدا:
نأكلُ القطعةَ نفسَها من الخبز
ونشربُ النبيذَ من الكأس نفسها،
ومثلُ رفقاءَ جيدين نتشاركُ الساعات
من دون قول شيء، ونقرأُ الكتابَ نفسَه.

أتقدّمُ ببطء وعناية
على طريق
أشقّها بنفسي
سائرةً.
ولكي أعرفَ طريق العودة
بدّدتُ ورائي
نثارا من الحروف والكلمات.
لقد غادرتُ منذ مدة طويلة،
ولم يبق لي شيءٌ
فقط ما أملكه من بعض المقاطع
لكي أحيا مُدّةَ السفر.

من يكتب يرغب في الموت،
يريد الحياة أيضاً
في زورق سكران بهدوء مهجور.
من يكتب يريد النوم في أيدٍ صباحية
وفي فم الأشياء يرغبُ أن يكونَ دمعةً حيوانيةً
أو ابتسامةَ الشجرة.

كان لي دائما جمجمتان:
كبيرةٌ للحزن،
وصغيرةٌ جدا للفرح.
وأيضا لي ذاكرتان:
ما أجمل ما في الأولى سابقا.
في الثانية نجد
أشياء قليلة، نسيانا قديما.

منذ زمن نحن غرباء الواحد عن الآخر،
كل شيء قد قيل بيننا،
كأحجار توقفت عن التدحرج،
فكل واحد قد رتّب حياته الخاصة.

كمن يسمعُها تُمطرُ

أتضرّع إليك

أن تسمعي أبياتي:

بانتباه أعمق، كما نسمعُ الصمت.

كما نسمعُ الأشجار حين تهزّها الريح،

وكما تسقط ساعات الوقت الميتة،

مثل أوراق يابسة.

بناء قصيدة هو بناءُ عَالَمٍ

لا رموزَ، لا صورَ،

مجردُ مخلوقاتٍ من هواء

، بداهاتٌ غامضةٌ، أسرارٌ مضيئة،

صور الريح، وصمت النعاس.

فيما سبق كانت للأشجار عيونٌ،
أقسمُ بذلك،
أعلمُ جيدا
بأني كنتُ أرى لما كنتُ شجرةً،
أتذكرُ جيدا كم كنتُ أندهش
لأجنحة الطيور الغريبة
التي مرّت أمامي،
ولكني لا أتذكّرُ أبدا،
إذا كانت الطيورُ قد حدستْ عيوني.