يدٌ تمتدّ ملأى قد رُدَّتْ

تنتزع الزنابق من علَب الأزهار

في ليالٍ تُصَدُّ حتى القبَلُ فيها.

الرجال الحزينون يخيفون الطيور الهاربة،

المبتعدة عن طريقهم.

يهطل الغيم

على جباههم الكئيبة

وتتناثر شظايا من الرذاذ المعتم.

يحكون أنها تخرج في الليل

لتطوفَ الحقول.

ومن شخاشيخها تنبت أنهار من مياه عذبة

وفي حوضها دقة طبلٍ شيطانية.

الرجل الذي أشار إلى الطائر أثناء تحليقه

لم يعد موجوداً

ولا يده الخشنةُ

وهي تمسك قبضةَ المسدس.

حين تمرّين

يسقط دفتر

تتعثّر قدم

ينزلق منظار

تتقلّص حنجرة

يتعرّق كفّان

تضيع ملحَفة..

أمس ولأوّل مرّة

عرفتُ ما معنى فنّ الدَقِة

عندما – ومن دون أن ينتبه أحد –

قبّلتني من شفتيّ.

هنا، كان ثمة: بحر منذ مليون عام

الإنسان لا يعلم ذلك، لكن الحَجَر يتذكّر

صخرة، يوجد في أحشائها سلطعون،

كلُه الآن من حجر، شكل عظيم

فقد رفض أن يكون غبارًا.

لأنك جعلتني ضعيفًا،

مجنونًا

طفوليّاً..

شكرًا على هذه السجون

التي تتركني حُرّاً

شكرًا على الألم الذي بدأ معي

ولم يتوقّف

شكرًا على كل هشاشتي البالغة المرونة

مثل قوسك

..

سوف تلتقين بخاصّتك في فاطمة ومحسن

سيأخذك المتصوّفون

كي يُعيدوا إليكِ أبوالهول الفيروزي اللون

وستصبحين آخر ضمن ترحاله.

أريد العودة إلى الذي، ذات يوم،

كنا نسمّيه جميعًا: بيتنا.

أن أصعد درجات سُلّمه القديم

أفتح الأبواب والشبابيك.

حجرٌ على حجرٍ تبحث الأرض عن السماء

خطوةٌ فخطوةٌ تصعد نباتاتي صوب الشمس

جمر الحياة ما زال ينبض في صدري

والسكين الحجري خامل في الحَجَر.

كلامُ الليلِ يرتفعُ

على الجدرانِ والأشجارِ

أعلى من أغاني الطيورِ

أكثرُ من ضجةِ الحشدِ

كلامُ الليلِ

ينغمرُ وراء الجبالِ

شفاهُ الليلِ

تختمُ التعبَ بالقُبل

والموتُ العابر

والألمُ الذي يخفقُ في الأصداغِ

كلامُ الليلِ

يُصمت المدنَ

يُسكت القطاراتِ

يُهدئ روعَ الأمورِ

علي شفاهِ الليلِ

العواصفُ تصفّر

وأمواجُ العمقِ تضطربُ

وأصواتٌ مهمةٌ تستهل.

أماه،

اجمعي لي صوت هطول المطر على سطح بيت جدي

واحكِ لي عن الليلة التي اكتشفت فيها ظمأي إلى المغامرة

واحكِ لي كيف فصلتِ بين النار ونورها

فاستطعتُ في تلك الليلة

أن أقابل لأول مرة شياطيني.

تحبُ أمي أن تذهبَ إلى هذا المقهى ذو القناديلِ الرصينةِ،

وتطلبُ كعكَ الفانيليا

وتشربُ بتأنٍ كوبين من الشاي الأسود

كأنها تقوم بطقسٍ احتفالي.

لا يهمُ كم مرةِ

فقدتِ براءَتكِ

سوف يأتي رجلٌ  دائمًا

ويستعمل السحرَ

ويستعيدها لكِ.

أعودُ إلى حديقةِ الطفولةِ

لجنسِ الزهورِ

لكهوفِها وخيوطِها

إلى دواخِلها السريةِ

لأستكشف

اضطهاد

بدرٍ مليءٍ

يحاصرُ خُطانَا

لتويج زهرة مباغتة

والعينُ الطليقةُ

تقبضُ على الدورانِ

أعودُ إلى زهرةٍ متبرجةٍ

لفراشتها المرفرفةِ

إلى السكّر السائلِ  في كأسها

لرقصتها المستنفدةِ

لجثتها الحرير.

أسمعُ الحياةَ—

نقار الخشب.

أسمعها في كل مكان

تطرقُ القلفَ بقوةٍ.

تضربُ ضد الريحِ

تنقرُ أيامَ الخشبِ.

سأموت كأي مخلوقٍ فانٍ
بعد أن مررت
عبر هذا العالم
دون أن أحطمه أو أفسده.
لم أخترع رذيلة جديدة
لكنني ذقت جميع الفضائل.

هذا البيتُ ذو الجدرانِ السميكةِ العتيقةِ

وفناؤه من القرنِ التاسعِ عشر المزينِ بزهورِ الأزاليا

بدأ ينهار منذ عدةِ قرونِ.

كان أبي يخاف أن يولد أساسًا.

لكنه سرعان ما تذكر

واجبات الرجولة

التي علَّمته

الصلاة وتوفير المال والعمل الجاد

حتى أصبح أبي رجلاً صالحًا.

منذ أيام وأنا أسألك،

يا ربي يا من تحطم السفن.

لا أسألك ماءً

من أجل عطشي

بل العطش ذاته.