قلتَ وداعًا

يَا لهُ مِن صمتٍ، يَا لهُ مِن قلَّةٍ فِي الهواءِ!

بينَنا الأَلمُ، والقبلاتُ بِلا شفاهٍ، والكلماتُ- القصائدُ.

شواطئُ نُصبي التَّذكاريِّ

ليسَ فِيها منحدراتٌ

للمدِّ فيضربُها

فِي مجيئهِ وذهابِهِ الدَّؤوبَيْنِ.

شواطئُ ذاكِرتي مسطَّحةٌ

بيضاءُ وصحراويَّةٌ.

لم يكن لي هذا الوجهُ اليومَ،
الهادئ جدا، والحزين حقا، والنحيف كثيرا،
ولا هاته العيون الفارغة،
ولا هاته الشفة المرة.

لم تكن لي هذه الأيدي الضعيفة،
المتصلبة كثيرا، والباردة والميتة،
لم يكن لي هذا القلبُ
الذي لا يتراءى حتى لنفسه.

وضعتُ حلمي بزورقٍ
ووضعتُ الزورقَ بالبحر،
ثم أشرعتُ بحرَ يدي
حتى يَغرقَ حُلمي.

لا زالت يداي نَديتين
بأزرق الموجات المشقوقة،
واللونُ الذي يتدفق من أصابعي
يَصْبَغُ الرمالَ المقفرةَ.

عليك أن تشهد كيف تولَد،

وتلمسَ يديها كيفما اتُّفق،
ونبضَ صبواتِها العصيّة.

ومن ثم،
لك أن تعيشها؛

لكن دون مسرّة، دون تعجّل،
ودون الاستعانة بخرائط كي تحدد وجهها،
بل دون أن تمحّصها.

ما يبهجني،
هو الخط المجنح لكتفيك،
والعطفة التي ترسمها
 يا طائر الماء!

إنها قامتك الرفيعة والرشيقة،
ووداع الحلق
لمقابر الزبد!

ما يبهجني، هو الوداع،
حين تُفلِت الريحَ،
مخلصاً للسقوط، سريعاً وناعماً.

في عمقِ البحر
يتحاورُ
الغرقى.

إنهم منهكون، منهكون كثيرا
حيث لا يشعرون بالبلل على ثيابهم.

وليس عليهم أن يبكوا
لأن البحرَ ليس سوى دموعٍ.

في الحصيلة كلّها بقيت ثلاثة أشياء:

اليقين بأنّ الكلّ كان على أهبةِ البداية؛

اليقين بوجوب الإستمرار،

اليقين بأن ذلك سيتمّ قطع استمراريته قبل أن يصل إلى نهايته.

ثمة في وجهك المحايدِ
شيء هيروغليفيّ
(مُسْتَغلَقٌ) حتى ليستسلم المرءُ إزاءه
كلَّ لحظة.

ثمة شيء ما في وجهك
يجولُ أيضاً
بين يديك – ثمة ارتداد
تراجيدي يُحيلُ إلى لا شيء.

أحرِقْ كل ما تستطيعه

رسائل الحب

فواتير الهواتف

لائحة الثياب المتسخة

العقود والشواهد

أسرار الزملاء الغاضبين

الاعتراف المنقطع

القصيدة الإباحية التي تصادق على العجز

وتعلن عن تصلب الشرايين

قصاصات الصحف القديمة

والصور المصابة باليرقان

لاتترك للورثة الجياع أية ذكرى ورقية

كن كالذئاب : عش في كهف

لاتظهر سوى أسنان حادة لرعاع الشارع

عش ومت مغلقاً كحبة جوز

قل دائماً “لا”

في السادسةِ مساءً تبكي النساءُ

في الحمامِ. ليس لهذا أو لذاك

يبكين لأن الدموعَ فاضتْ حتى حناجرهن

نعم، لقد نامَ الأطفالُ

وهم في صحةٍ جيدةٍ

وهناك طعامٌ على الطاولةِ

وقدمَ لهن أزواجهن

أفضلَ الأفضلِ

من كلِ شيءِ.

سأحبك من بعيد

من تلك المسافة الهادئة

التي يصبح الحب فيها شوقًا

وعاطفةً ووفاءً.