رنين الريح

لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَطُّ أَيُّ بَابٍ إِلَيْهَا، سِوَى عَنْ طَرِيقِ الصُّدْفَةِ
حَوَالَي الظُّهْرِ. لَقَدْ قُمْتِ بِالبَحْثِ، بِنَظْرَةٍ خَاطِفَةٍ إِلَى فَنَاءِ المَطْبَخِ:
يَوْمٌ يُشْبِهُ أَيَّ يَوْمٍ آخَرَ كَأَنَّ الصَّيْفَ يَنْسَحِبُ إِلَى نِهَايَتِهِ،
لكِنَّهُ تَلاَشَى مِثْلَ الكُثْبَانِ الرَّمْلِيَّةِ، وَكُثْبَانِ القَشِّ وَرَاءَ خَلِيجِ (كَالْكْ)،
وَرِيحُ البَحْرِ تُعَزِّزُ كُلَّ شَيْءٍ خِلَالَ الصَّبَاحِ،
وَمَواقِفُ السَّيَّارَاتِ عَلَى طُولِ الشَّوَاطِئِ كُلُّهَا فَارِغَةٌ الآنَ،
وَلكِنْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى شَاحِنَاتِ البَلَدِيَّةِ، فَإِنَّهَا تُجْمَعُ النِّفَايَاتِ؛
وَالأَطْفَالُ عَادُوا قَبْلَ ثَلَاثَةِ أَسَابِيعَ إِلَى المَدْرَسَةِ فِعْلًا.

مَا مِنْ مِفْتَاحٍ هُنَاكَ، لَكِ، سِوَى فَنَاءٍ مِثْلَ هذَا،
هُوَ مِنَ الأَسْمَنْتِ القَدِيمِ، اجْتَاحَتْهُ الرِّيحُ أَمْسِ، وَاجْتَاحَتْهُ مَرَّةً أُخْرَى،
وَأَورَاقُ النَّبَاتِ مِثْلَ اللَّحْمِ، وَظِلُّ الأَوْرَاقِ
الَّتِي نَضَجَتْ سَوْدَاءَ، وَفَاكِهَةُ الظِّلِّ فِي تَوَهُّجِ الظَّهِيرَةِ
خَسِرَتْ دَاخِلَهَا تَقْرِيبًا فِي غُضُونِ ذلِكَ وَنادِرًا مَا يُسْمَعَ فِي البِدَايَةِ
تِجَاهَ هَدِيرِ المَدِّ وَالجَزْرِ، فَالطَّقْسُ جَبَّارٌ جِدًّا هُنَا-

ثَلَاثُ نُوتَاتٍ فِضِّيَّةٌ وَأُنْبُوبِيَّةٌ: مُوسِيقَى رَنِينِ الرِّيحِ
تَتَنَاثَرُ فِي ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَفِي فَنَاءٍ خَلْفِيٍّ فَوْقَ البَحْرِ.

مَفْقُودَةٌ وَمَوْجُودَةٌ، وَمَفْقُودَةٌ مَرَّةً أُخْرَى، وَيَمْتَدُّ الخَلِيجُ وَرَاءَهَا،

وَيَتَلَاشَى، وَلَامُبَالاَةٌ زَرْقَاءُ فِي الرِّيحِ-

لكِنْ هذِهِ هِيَ فَلْسَفَتِي، وَشِعْرِي، وَبُؤْسِي.
يُمْكِنُنِي أَنْ أُقَدِّمَ لَيْسَ أَكْثَرَ مِنْ فُرْصَةِ يَوْمٍ وَاحِدٍ
تَرَاخَتْ مِنْ قِبَلِ الطَّقْسِ- لَحْظَةَ رَنِينِ الرِّيحِ
كَمَا تَأْتِي وَتَذْهَبُ، وَتَتَمَايَلُ فِي هَوَاءٍ عَشْوَائِيٍّ،
وَلَهَا ثَلَاثُ نُوتَاتٍ حَمِيمَةٍ مَعَ السَّلْوَانِ الخَاصِّ بِها،
وَمُظَلَّلَةٌ كَمَا لَوْ تَسْتَحِمُّ بِتَلَاشِيهَا.

يُمْكِنُنِي أَنْ أَجْلِبَ، فَقَطْ، مِثْلَ مَا تَجْلِبُهُ الأَشْيَاءُ
فِي الزَّوَالِ: يَوْمٌ، وَفَضَاءٌ لَا يَزَالُ مَهْجُورًا إِلَى حَدٍّ بَعِيدٍ

أَكْثَرَ مِنْ هذِهِ الضَّوَاحِي المُتَوَقَّفَةِ وَالشَّاغِرَةِ بِجَانِبِ البَحْرِ؛
مَكَانٌ لَكِ، مَرَّةً أُخْرَى، يَسْمَحُ بِالدُّخُولِ،
وَهُنَا، حَيْثُ يُوجَدُ هُنَاكَ مَا هُوَ مَوْجُودٌ الآنَ:
ذلِكَ الوَقْتُ نَفْسُهُ قَدْ تَضَخَّمَ، وَظِلُّ فَاكِهَتِهِ
فِي هذِهِ الشَّمْسِ، وَهذِهِ الظَّهِيرَةِ، وَرَنِينُ الرِّيحِ فِي رِيحِ البَحْرِ،

وَفِي يَدَيْكِ، يَدَيْكِ الفَارِغَتَيْنِ، لَحْمُ الزَّمَنِ.

قراءة المزيد

قصائد الأيام الماضية

قائمة الشعراء