وصية المستقبل الأخيرة

" الأرضُ ستنتهي بتدميرِ جسدِها، يا ولَدي
وسوفَ تولَدُ، من جديدٍ، معي ".
رفَعَ أبي يده المتغضِّنةَ
ليُلَوِّحَ لي في صباحٍ ذي سماءٍ صافيةٍ.
أشجارٌ رمادٌ على امتدادِ دربِ الذكرى، تندفعُ؛
عجَلتانِ خشبيّتانِ تشِعّانِ كالضوءِ.
اجِدُ قطعةَ نقدٍ صَدِئةً في جيبي،
أضغطُ عليها بأسناني
وأرى طيوراً في صقيعِ الشتاءِ المبكِّرِ
تبحثُ في البُحيراتِ المعشبةِ، حيثُ العناكبُ
التي وُلِدَتْ يومَ وُلِدْتُ، تستيقظُ للتَوِّ.
" الأرضُ ستنتهي بتدميرِ جسدِها، يا ولَدي
وسوف تولَدُ، من جديدٍ، معي "
أُنزِلُ ستائرَ الخيزرانِ، بصمتٍ
لأغَطّي السماواتِ المائيّةَ لعينَي أبي.
ألتقِطُ منخلَ خيزرانٍ وأركضُ إلى النهرِ
حيثُ جدّتي تغسلُ الملابسَ بلا صابون
وتعلِّقُها على عظامِ أسماكٍ، لتنشفَ.
هي تحْجِلُ حولَ البرَكِ حيثُ يبتردُ الجاموسُ؛
أزحفُ على العشبِ، بحثاً عن كهف التنّينِ.
أقولُ: " يا جدّتي، ألعابُكِ لا شـيء. "
 " الأرضُ ستنتهي بطحْنِ بُذورِها، يا ولدي
وسوفَ تولَدُ، مع أسلافِكَ، من جديدٍ “.
أبي يهمسُ خلفَ جفنَيهِ
صوتُهُ يقفزُ من أصابعِ قدَميه إلى رأسِهِ.
ثم، من القرونِ الآتيةِ، تندفعُ الريحُ راجعةً،
أعودُ إلى شُغلي. أنطلِقُ باحثاً عن كِسْرةٍ ذهبٍ
لأقطعَ الحبالَ السُّرِّيّةَ لأطفالٍ حديثي الولادةِ.
قراءة المزيد

قصائد الأيام الماضية

قائمة الشعراء