مَن الذي يَفهمني غير نفسي

يوقفون المياه، فأحيا من دون ماء،
يبنون جدرانًا أعلى، فأحيا من دون رؤوس أشجار،
يَطْلون النوافذَ بالأسود، فأحيا من دون أشعّة شمس،
يقفلون زنزانتي، فأحيا من دون الذهاب إلى أيّ مكان،
يأخذون آخرَ دمعةٍ لديّ، فأحيا بلا دموع،
يأخذون قلبي ويشقّونه، فأعيش بلا قلب،
يأخذون حياتي ويحطّمونها، فأحيا بلا مستقبل،
يقولون إنّني وحشيّ وشيطانيّ، فلا يكون لديَّ أصدقاء،
يمنعون كلّ أمل، فلا يكون لي مَخرجٌ من الجحيم،
يمنحونني الألمَ، فأعيش مع الألم،
يمنحونني الكراهية، فأعيش مع الكراهية،
لقد غيّروني، ولم أعد الإنسان الذي كنتُه،
لا يتيحون لي الاغتسالَ، فأحيا مع رائحتي،
يفصلونني عن إخواني، فأحيا بلا إخوة،
من الذي سيَفهمني عندما أقول إنّ هذا جميل؟
من الذي سيفهمني عندما أقول إنّني وجدتُ حرّيّاتٍ أخريات؟
لا أستطيع أن أطير أو أُخرجَ شيئًا من يدي،
لا أستطيع أن أجعل السماواتِ تُفتح أو الأرضَ ترتجف،
لكنني أستطيع أن أحيا مع نفسي، وأنا مذهولٌ من نفسي، ومن حبّي، ومن جمالي،
مأخوذٌ بإخفاقاتي، وتدهشني مخاوفي،
أنني عنيد وصبيانيّ،
وفي خضمّ حطام الحياة الّذي سبّبوه، أمارس ذاتيّتي،
ووجدتُ أجزاءً من نفسي لم أحلمْ أن تكون منّي:
كانت تخرج من تحت الصخور في قلبي
حين رُفعت الجدرانُ أعلى،
وحين أُوقفت المياهُ وطُليتِ النوافذُ بالأسود،
ولقد تبعتُ هذه الإشارات
كمتعقّبِ آثارٍ عتيد،
سلكتُ المساراتِ في عمق نفسي
وتتبعتُ المسارَ المبقَّعَ بالدماء،
عميقًا في المناطق الخطرة، فوجدتُ أجزاءً كثيرةً في نفسي،
علّمتْني أنّ الماء ليس كلَّ شيء،
ومنحتني عينين جديدتين لأرى من خلال الجدران،
وعندما تكلّمَتْ ، سطعتْ أشعّةُ الشمس من أفواهها،
وكنتُ أسخر من نفسي ــــ معها،
ضحكنا كالأطفال وتعاهدنا أن نكون مخلصين دائمًا.
لذا، من الذي سيَفهمني عندما أقول إنّ هذا كله جميل؟
قراءة المزيد

قصائد الأيام الماضية

قائمة الشعراء