مرثية إسبانية

ها هي ذي مسافة البعد التي تفرق بيننا

تحمل معها العذاب،

كأنها سحابة ممزقة

في المطر المنسي

لم يتغير شيء بيني وبينك يا بلدي،

كلمتك البائسة،

دفق الذكريات الخفي،

الذي يتلقى الحياة والحقيقة من روحك الطاهرة.

أنا لا أعاديك، (فقد كُتِب عليّ) أن أشهد من سكونٍ

هذا الشقاق العقيم الذي يخيم عليكِ،

وأحس ريح الجنون التي تصرعك.

الله وحده يحرسنا،

فهو الذي يقضي ويفصل في الحقد الأبدي

منذ وعت ذاكرة الإنسان.

سقوفك صارت رمادًا، وحقولك المجدبة

تنبت حصاد الجوع؛

جناح الموت يمزق هواءكِ،

أهلكِ يتساقطون مسحوقين كالزهور،

وهم الذين قد خلقوا للحب والعمل،

والذين دبروا الحرب تحت ستار الظلام

يتلذذون بانتصارهم.

أما أنتِ،

يا أرضي، يا حبي الوحيد العظيم،

فتلوذين بالصمت،

تبكين وحدتك، عذابك، عارك.

لم تزل روحي وفيةً نشوى كالعصفور

الذي طار في الربيع إلى عشه القديم

ثم ما لبث أن رجع إليكِ وأنهى رحلته،

عندما جذبه من بعيد، يا وردة القدر،

سحرٌ لا يوصف.

إنها تترك هذا الضباب المنتشر من حولها،

ترسل شكواها في سمائك الرحبة،

بينما يظل الجسد مترددًا،

ضائعًا، نائيًا، بين الحلم والحياة،

يصغي لحفيف الساعات الكسولة.

بَيْدَ أن هذه العيون المتيمة بكِ

لن تستطيع أن تعكس صورتك

لن تستطيع الروح التي كانت تعيش

مطمئنة في ظلك،

أن تجوب غاباتك

وتحلم بالعالم الذي كنت أتخيله وأبنيه

عندما كنت أذعن لشبابي الحزين.

أنت أيها البرج المنيع وسط الأنقاض،

ولا شيء سواه،

تستطيعين أن تملئي عزلتي حياة،

ففيك وحدك ينعس

هذا الغياب عن كل شيء.

اجعلي نسماتك تمر على جبهتي،

نورك يترقرق في صدري حتى الموت،

وهو المجد الوحيد الأكيد.

الذي ما زلت أشتهيه

قراءة المزيد

قصائد الأيام الماضية

قائمة الشعراء