قلبي يحترقُ على الحديقةِ

لا أحدَ يفكّرُ بالأزهارِ

لا أحدَ يفكّرُ بالأسماكِ

لا أحدَ يريدُ أنْ يصدّقَ أنَّ الحديقةَ تحتضرُ

وقلبُها -تحت أشعّةِ الشمسِ- متورّمٌ

وذهنُها -بهدوءٍ-..

بدأَ يفرغُ مِنَ الذكرياتِ الخضراءِ

كأنٌ شعورَها -في انزواءِ الحديقةِ- بدأَ يتعفّنُ

باحةُ بيتِنا وحيدةٌ

باحةُ بيتِنا تتثاءبُ

بانتظارِ هطولِ غيمةٍ مجهولةٍ

وبركةُ ماءِ بيتِنا فارغةٌ

النجومُ الصغيرةُ الخامُ

مِنِ أعلى الأشجارِ تقعُ على الترابِ

ومِنْ بينِ نوافذِ بيوتِ أسماكِنا الشاحبةِ

-ليلاً- يأتي صوتُ سعالٍ

باحةُ بيتِنا وحيدةٌ

أبي يقولُ..

قدْ فاتَني الأوانُ

قدْ فاتَني الأوانُ

أخذتُ حملي

وعملتُ عملي

وفي الغرفةِ -مِنَ الصبحِ حتّى المغيبِ-..

يقرأُ (الشاهنامه)

أوْ ناسخَ التواريخِ

أبي يقولُ لأمّي..

اللعنةُ على كلٌ الأسماك والدجاجِ

حينَ أموتُ.. ما الفرقُ إذْ تكونُ الحديقةُ أوْ لا تكونُ؟

أنا مكتفٍ بـ(راتبِ التقاعدِ)

أمّي كلُّ حياتِها..

سجَادةُ صلاةٍ مفروشةٌ على أعتابِ وحشةِ البرزخِ

أمّي دائمًا في قعرِ كلٌ الأشياءِ

تبحثُ عنْ آثارِ معصيةٍ

وتعتقدُ أنَّ الحديقةَ ملوّثةٌ مِنْ كفرِ إحدى النباتاتِ

أمّي تقرأُ الأدعيةَ طوالَ النهارِ

أمّي مذنبةٌ بالفطرةِ

تنفثُ على الأزهارِ كلِّها

تنفثُ على الأسماكِ كلِّها

وتنفثُ على نفسِها

أمي تنتظرُ الظهورَ..

والمغفرةَ التي ستهبطُ

أخي ينعتُ الحديقةَ.. مقبرةً

يضحكُ على التباسِ النباتاتِ

ويعدُّ جنازاتِ الأسماكِ التي تتحوّلُ ذرّاتٍ فاسدةً

تحتَ قشرةِ الماءِ المريضِ

أخي مدمنٌ على الفلسفةِ

ويرى شفاءِ الحديقةِ بانهدامِها

هوَ يثملُ..

ويلكُمُ الجدرانَ والأبوابَ

ويسعى أنْ يقولَ إنَّهُ متوجَعٌ ومرهقٌ ويائسٌ جدًّا

يتَخذُ يأسَهُ هويّةً شخصيّةً..

وتقويمُا ومناديلَ وقدّاحةً وقلمًا معَهُ إلى الأزقّةِ

والأسواقِ

ويأسُهُ صغيرٌ حدَّ ضياعِهِ في زحامِ الحاناتِ

وأختي التي كانتْ صديقةَ الأزهارِ

تلجأُ إلى جمعتِها الصامتةِ الحنونِ

وتحكي لها عنْ أوجاعِها حينَ تضربُها أمّي

وأحيانًا كانتْ تضيّفُهُنِّ بالطعامِ والشمسِ..

بيتُها في ذلكَ الجانبِ مِنَ المدينةِ

وسطَ بيتِها الاصطناعيِّ

بأسماكِ بيتِنا الحمراءِ الاصطناعيّةِ أيضًا

وفي ظلِّ زوجِها الاصطناعيِّ

وتحتَ أغصانِ أشجارِ التفاحِ الاصطناعيّةِ

تقرأُ أناشيدَ مصطنعةً

وتلدُ أطفالاً طبيعيّينَ

حينَ تأتي للقائنا..

وتتلوّثُ حوافُّ فستانِها بفقرِ الحديقةِ..

تأخذُ حمّامًا مِنَ العطورِ الكحوليّةِ

حينَ تأتي للقائِنا..

وهي حاملٌ دائمًا

باحةُ بيتِنا وحيدةٌ

باحةُ بيتِنا وحيدةٌ

وطوالَ النهارِ

مِنْ وراءِ البابِ..

أسمعُ صوتَ تقطيعِ الأجسادِ

وصوتَ انفجارٍ

جيرانُنا.. بدلَ زرعِ الأزهارِ في الحديقةِ..

يزرعونَ القنابلَ والأسلحةَ

ويغطّونَ برَكَ الماءِ

وبرَكُ الماءِ -دونَ أنْ تعرفَ- تتحوّلُ مخازنَ للبارودِ

وأطفالُ زقاقِنا في حقائبِهِمُ المدرسيّةِ..

يحملونَ قنابلَ صغيرةً

باحةُ بيتِنا مصابةٌ بدوارٍ

منذُ ذلكَ الحينِ الذي أضعتُ قلبي فيهِ..

أصبحتُ خائفةً.. خائفةً مِنْ تصوّرِ عبثيّةِ كلُّ هذهِ

الأيادي

ومِنْ تجسيدِ غربتي معَ تلكَ الوجوهِ

بحجم حبِّ تلميذةٍ مولّعةٍ بمادّةِ الهندسةِ

أشعرُ بالوحدةِ..

وأعتقدُ أنَّنا نستطيعُ أنْ نأخذَ الحديقةَ إلى المشفى

وأفكّرُ..

وأفكّرُ..

وأفكّرُ..

وقلبُ الحديقةِ متورّمٌ تحتَ أشعّةِ الشمسِ

وذهنُها -بهدوءِ-..

بدأَ يفرغُ مِنَ الذكرياتِ الخضراءِ

قراءة المزيد

قصائد الأيام الماضية

قائمة الشعراء