صدى الضوء

كَانَتِ الرِّيحُ عَالِيَةً عِنْدَ شَجَرَةِ النَّخِيلِ البَاسِقَةِ،

وَفُرُوعُهَا تَتَمَايَلُ خَلَلَ ضَوْءِ قَوْسِ مَصَابِيحِ الشَّارِعِ،

وَالعَاصِفَةُ القَوِيَّةُ، تَقْذِفُ مَدَى الظِّلِّ، وَالضَّوْءَ المُتَشَقِّقَ،

بَعِيدًا بِاتِّجَاهِ الظَّلَامِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ.

لَقَدْ هَوَوْا خَلَلَ إِطَارِ نَافِذَتِنَا.
كُنْتُ نِمْتُ وَاسْتَيْقَظْتُ، وَنِمْتُ مَرَّةً أُخْرَى،

وَجَبْهَةٌ بَارِدَةٌ فِي الخِتَامِ، وَصَوْتُ الرِّيحِ الآنَ يُوَجَّهُ بِالتِّلَالِ،
وَسُحُبُ المَطَرِ الآنَ نَحْوَ تِلْكَ التِّلَالِ، تَخْرُجُ إِلَى البَحْرِ،
بَيْنَمَا كُنْتَ تَعْمَلُ، فِي 2:00 قَبْلَ الظُّهْرِ، فِي الغُرْفَةِ الشِّتَائِيَّةِ.

وَهذَا الحُلُمُ الَّذِي اسْتَيْقَظْنَا مِنْهُ مَرَّةً
أَوْ مَرَّتَيْنِ فِي العُمْرِ، لِنَقَعَ فِي حُلُمٍ آخَرَ،
كَانَ هُنَاكَ مَرَّةً أُخْرَى، وَكَانَتْ هُنَاكَ غُرْفَةٌ،

وَكُلُّ كَائِنٍ هَدَأَ حَيْثُ تُرِكَ، وَكُسِيَ بِظِلِّهِ ذَاتِهِ.
وَكَانَ هُنَاكَ وَجْهٌ- وَلكِنْ كَمَا لَوْ أَنَّهُ كَانَ دَائِمًا
هُنَاكَ، مُنْتَظِرًا وَرَاءَ السَّرِيرِ حَيْثُ أَسْتَلْقِي يَقِظًا،
وَالضَّوْءُ وَرَاءَهُ، وَالمِصْبَاحُ تُرَكَ مُشْتَعِلًا، وَتَوَهُّجُهُ رَقِيقٌ،

وَهَالَةُ شِتَاءٍ، وَلَوْنُ الكُمَّثْرَى النَّاضِجَةِ.

لَمْ أَنْبِسْ بِبِنْتِ شَفَةٍ، وَذلِكَ الوَجْهُ قَرِيبٌ جِدًّا، وَحَتَّى الآنَ
مِنْ فَوْقِي، يُرَاقِبُ مِنْ حَافَّةِ الضَّوْءِ
الَّذِي وَضَعَ حافَّةَ الظِّلِّ عَلَى عَيْنَيْهَا، وَابْتِسَامَتِهَا.
لَمْ تَفْعَلْ حَرَكَةً لِلذَّهَابِ، فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ الوَاحِدَةِ مِنْ عِدَّةِ لَيَالٍ،
حَتَّى سَهَرَهَا دَائِمٌ، بَيْنَمَا العَاصِفَةُ لَمْ تَزَلْ،

وَتَتَحَرَّكُ خَارِجًا نَحْوَ البَحْرِ،

وَلَمْ يَزَلِ الظَّلاَمُ. لكِنَّهَا كَانَتْ مِثْلَ مَوْجَةِ الضَّوْءِ

اجْتَاحَتِ الغُبَارَ الَّذِي هُوَ نَجْمُ الغُيُومِ،
وَالمُسَافِرُ لأَشْهُر، بَعْدَ سَنَوَاتٍ،

وَمُسْتَمِرًّا فِي حُطَامِ النُّجُومِ الَّتِي لَمْ تَزَلْ عَلَى مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ،

وَالنِّيرَانُ إِلَى تِلْكَ العَبَاءَةِ الرَّثَّةِ،
وَالهَالَةُ مِنَ الغُبَارِ المُضَاءِ، وَعُلَمَاءُ الفَلَكِ اسْتَدْعَوْا صَدَى الضَّوْءِ.
رَأَيْتُهَا فِي عَيْنَيْكَ ذَاتَ لَيْلَةٍ حَيْثُ كُنْتَ وَاقِفًا هُنَاكَ
تُرَاقبُ انْتِهَاءَ عَمَلِكَ، وَالتَّوَقُّفَ عِنْدَ حَافَّةِ سَرِيرِنَا
حَيْثُ الضَّوْءُ عَلَى الَّذِي جَاوَرْتُهُ لَيْسَ خُدْعَةَ ضَوْءٍ،

وَعَاصِفَةَ ضَوْءٍ فِي النَّخِيلِ المُهَشَّمِ. رَأَيْتُهَا لِلَحْظَةٍ،

وَهذِهِ الَّتِي يَتُوقُ إِلَيْهَا الرِّجَالُ بِطَرِيقَةٍ مَا

حَيْثُ يُمْكِنُهُمُ القَوْلُ بِصُعُوبَةٍ،
أَوْ بِالكَادِ يَجْرُؤُونَ عَلَى أَنْ يَقُولُوا:
إِنَّهُ حَتَّى وَاحِدٌ مِثْلِي يُمْكِنُهُ

أَنْ يَدْخُلَ إِلَى تِلْكَ الشَّرِكَةِ؛

وَهذَا أَنَا، أَيْضًا، مِنْ خِلاَلِكُمْ، فِي السَّاعَةِ الأَكْثَرِ سِرِّيَّةٍ مِنَ اللَّيْلِ،

وَفِي مَدِينَةٍ الآنَ لِسَنَوَاتٍ خَلَتْ،

يُمْكِنُ قَبُولُ دُخُولِهِ إِلَى هَالَةِ تِلْكَ الكَلِمَةِ الوَاحِدَةِ
مِثْلَ مِصْبَاحٍ- لِلنَّوْمِ مَرَّةً أُخْرَى، وَالحَبِيبِ، وَالاسْتِيقَاظِ،
وَمِنْ ثُمَّ عَيْشُ حَيَوَاتِنَا، فَقَطْ، حَتَّى وَقْتٍ قَرِيبٍ لِنَفْتَرِقَ،
فِي صَدَى ذلِكَ الضَّوْءِ، وَغُبَارِ تِلْكَ اللَّحْظَةِ الوَاحِدَةِ
مِنْ خِلَالِ الضَّوْءِ الَّذِي مَا زَالَ مُسَافِرًا، لِيَصِلَ إِليَّ هُنَا
فِي سَهَرِي، وَالعَاصِفَةِ الأُخْرَى، وَالظَّلَامِ الآخَرِ، هذِهِ اللَّيْلَةَ.

قراءة المزيد

قصائد الأيام الماضية

قائمة الشعراء