سيرة الإنسان البدائي

(1)

ربّما قد هرمنا

إلى الحدِّ الذي أنتِ تجلسين على الكرسي وتنامين

وأنا أُقَسِم ذكرياتِنا.

(2)

ولدتُ في تلك المغارة

( لا أعرف أين هي الآن)

نحن كنّا سبعةَ عشر شخصًا

أنا، كنتُ صغيرَهم

أبي، لاحقًا عرفتُ أنّه أبي!

كان يسجدُ للشمسِ

وأمي، كان لدينا تمثالٌ من الطين

كانتْ تحبُّه أكثرَ منا

نحن، كنّا نلصقُ أوراق الزيتون على جبيننا

كنّا نضربُ الضفادعَ بالحصى

أنتِ ولدتِ في المغارة المجاورة

أنتِ كنت جارتنا

كنّا نخافُ عينيكِ الكبيرتين

في يوم من الأيام صعدتِ فوقَ الجبل لتنظري إلى السماء

ناديتُ عليكِ

ضحكتِ

هناك، هناك عشقتكِ

الإنسان البدائي

هكذا يعشق بسرعة

(3)

ثم

جاءتْ تلك الأيامُ السيئة

كان الهواءُ باردًا

أخوك كان يقول:

إنّ القحطَ قد بدأ

أو ربّما الحرب

كان يقول لو أتتْ الحربُ سأذهب

من بعدها لم أره ثانيةً

الهواءُ كان باردًا

أنا بعصاي ضربتُ رأسَ أختَكِ

أنتِ كنتِ ضائعةٌ

وأنا كنتُ قد وقعتُ بغرامكِ

وإذا كنتُ أريدُ قتلَك

كان هذا بأمرٍ من التمثال الصغير

أنتِ كنتِ ضائعةً

أمي، كانت يداها ملطختين بالدماء

نحن كنّا نضحكُ، نصرخُ

نقذفُ الحصي على تمثالِكم

مغارتكم كانتْ فارغةٌ من الأطعمة

هربنا للحرب

أخي العاشر

أكلّه الدبُّ

كان يصرخُ

يشتمُ التمثالَ الصغير

نحن ارتدينا قميصَه ومضينا

أخي الثالث عشر

بقيّ هناك

كان يقول:

يستطيع أنْ يحبَّ الدببة

الصلح كان آخرَ ملاذٍ للإنسان البدائي

أخي كان مثقفًا

كنّا نضحكُ عليه

ونمضي

أخي الحادي عشر

كان شاعرًا

يجلسُ قربَ نبعِ الماء

يحبُّ سمكةٌ صغيرةٌ

كان يتحدثُ عن أمورٍ غريبة

ويضحكُ

نحن كنّا نبكي ونمضي

لكنّ أمي أخذتْ التمثالَ معها

قالتْ: في الشرقِ هناك أكثرَ أمانًا

أنا، اختبأتُ تحت الثلج

كنتُ أريد أنْ أجدَكِ

ما معنى الحياة لو لم تكوني أنتِ؟

الثلجُ قد هطل

ثلاثةَ قرونٍ

كنتُ قد اختبأتُ في المغارةِ

آكلُ بيضَ ديناصورٍ ماتَ منتحرًا

في الصباح

كنتُ آكلُ عصارةَ الزبيب

أدخنُ

في الليل، كنتُ أقرأ دفاترَ مذكراتِها

وأبكي

في تلك السنوات كنتُ أبحثُ عنكِ

(4)

كبرتُ

الشيوخُ ازدادوا من حولي

يعطون المواعظَ والمعجزاتِ

أنا في تلك الأيام

كنتُ أغسلُ الصحونَ في المعبدِ

في المساءِ

أنامُ تحتَ شجرةٍ مباركةٍ

تشفي المصابينَ بالجذام

في ليلةٍ ما

الأرضُ انهارت،

جدرانُ المعابدِ سقطت،

البيوتُ هُدِّمتْ

الشيوخُ كانوا يقولون أنتم السبب!

بعدَ قرونٍ،

فهمتُ ما هو الزلزال وما هي المعجزة

لكن في تلك الليلةِ كنتُ خائفًا

أبحث عنكِ

يومَ غدٍ

صادفتُ مسافرًا صغيرًا

أعطاني قطعةَ خبز وتمر

أخذتُ مربطَ خيلٌه

ذهبنا

كان يتحدثُ عن السماءِ

وعن تمثال كبير يريدّ في يومٍ ما قتله

كنتُ أعرفُ أنّه مجنون

لكني أحببتُه كثيرًا

كنّا نبكي معًا

ندخنُ معًا

في ليلةٍ ما

حين كنّا نائمين

قررنا أنْ نغيرَ العالَم

قطّعنا أصابعَنا وخلطنا دماءنا معًا

لا يزال الدُّم على يدي

في تلك الليلةِ

قتلتهُ

وسرقتُ حصانه!

(5)

أمي

كانتْ تحبُّ الإنجاب

كانتْ تحبُّ أنْ تقدمَ أولادَها جنودًا للتمثال الصغير

هي أصبحتْ كاهنةً في الشرق

وصلتنا السفينةُ هناك

في الصباح كانت تُسبح

في المساء كَانت تنامُ تحت أقدامِ التمثال

كلُّ يومٍ كانتْ تحبلُ

كانوا يقولون إنّهِا معجزةُ التمثال

كنتُ هناك آلاف السنين

أعزفُ الكمانَ

هناك

رأيتُكِ

كنتِ في منزلٍ تغنين

والجنودُ يرمونَ قطعًا معدنيةً في فمّكِ

ويقرصون لحمَ يديكِ

حين رأيتُكِ هربتِ

قالوا إنّكِ ذهبتِ للغربِ

لتُبلغين عن ديانةٍ جديدةٍ

أتيتُ

إلى الجنوب

تعرفتُ على فيلٍ مجنون

كان قد هرب من الحربِ

كان يقولُ لو عثروا عليه سيعدمُ بالرصاص

كنّا نقولُ الشعرَ سويًا

ونصرخُ

في يومٍ من الأيام

بلّغتُ عنه،

أعدموه بالرصاص

وبقيتُ آكلُ بلحمِهِ ألفَ عامٍ

كان يبكي في الليل

كنت أسمعُ صوت بكائه

وضعتُ الحجرَ على عيونه

لا يزال هناك مكان يفور منه الماء

لذا أصبح مكانًا مقدسًا للزيارة.

(6)

جئتُ إلى الغرب

بحثًا عنكِ

ما هي الحياة

لو لم تكوني أنتِ

في النهار

كنتُ أقرأ (روسو)

أو أشاركُ بمعاركٍ خيالية

في المساءِ

كنتُ أذهبُ إلى منزلِ كونتيسةٍ كان لديها أربعة أطفالٍ

حين كنّا نتعبُ

كانتْ تغني لي أغاني محلية

حين بدأتِ الثورةُ

قطعوا رأسَها

اشتريتَه بقطعتين نقديتين

للآن أحتفظُ بهما

في الليل أتنهد عليهما فتغني لي أغاني محلية

هناك كنتُ ورأيتُكِ

كنتِ جالسةً على أكتافِ الرياح

وتمشطين جدائلك الملطخة بالدماء

كانوا يقولون: إنّك قد أتيتِ

لحربِ الاستقلال

هناك رأيتُ أبي

كانت شتائمه بطعمِ الفودكا

شواربُه قد طالتْ

وساقُه اليمنى قد أصيبتْ برصاصة

كان يعرجُ ويحملُ فوقَ أكتافِه بندقيةً

يخرجُ برأسها أمعاءه

ويعبرُ من فوقها

عرفني

لكنّه لم يقلْ شيئًا

أفرغتُ رصاصةً بفمه

أنتِ كنتِ تجلسينَ فوقَ ركبةِ جنرال أميركي

وتنفثينَ دخانَ سيجارتِكِ على وجهي

أخوتي كانوا هناك

قد هرموا

كانت تفوحُ منهم رائحةٌ كريهةٌ

نزعوا قمصانَهم

أعطيتُهم قطعًا نقديةً وذهبتُ

عشتُ في الغابةِ خمسين عامًا

تعرفتُ على هندي بدين

كان اسمُه عجيبًا

في النهار كنّا نتنازعُ

في المساء كنّا نصرخُ صرخةً الصلح

تحدثتُ معه عن عينيكِ

لم يكنْ يفهم كلامي

لكنّه كان يحرّكُ رأسَه ويبكي

يومًا قلتُ له نكتةً قديمةً

حرّكَ رأسَه وبكى

قطعتُ رأسَه

وقذفتُه في النهر

كان رأسه يتدحرجُ ويبكي.

(7)

بحثت عن أثرٍ لكِ

كنتِ قد أتيتِ للمشرق

أخي الثالث عشر كان هناك

كانتْ لحيتُه طويلةً

بيتُه كان محروقًا

وامرأتُه كانت ذاهبة إلى العاصمةِ

لتكون بائعةً متجولة

هو

كان يتدلى من أرجوحةٍ ويأشرُ بإصبعهِ على طريقكِ

فيما بعد شنقوهُ بالحبلِ

لجأتُ أربعين عامًا في المغارةِ

صادفتُ هناك عنكبوتًا نحيلاً

علمتُه الصيدَ

في منتصفِ الليالي

كان خفاش يأتي لزيارتِنا

كنّا نحتسي الشاي

وندخنُ

كان يتحدثُ عن زوجتِه التي هربتْ مع نسرٍ مضطرب

جئتُ إلى العاصمة

في النهار كنتُ أسرَقُ البرتقالَ من الدكاكين

في المساء

كنتُ أذهبُ إلى الحانات

أطردُ السكارى

رأيتكِ مرةً أخرى

كنتِ تقرأين القرآنَ

وتتحدثين عن ضرورةِ القتالِ بالأسلحةِ

وجدتُكِ في زقاقٍ صغيرٍ

عينُك اليسرى

أصيبتْ برصاصةٍ

رموا جثتُكِ وراءَ شاحنةٍ

خلعوا حجابَكِ عن رأسّكِ

في الشوارع

كنتِ تصرخين الله أكبر!

(8)

لم أرَكِ قط

صيفَ ذلك العام

كنتِ تغطين وجهَكِ بوشاحٍ أسودَ

ضربتُ رأسَكِ بعصا

أخذوكِ إلى المسجدِ أتيتُ وراءك

أشاروا إلى المشفى

والدتُك كانت هناك

بالثوب الأبيضَ الذي يرتديه من يغسلون الموتى

ضحكت،

قالت: أنا لم يكن لي يومًا طفلاً

لكني بقيتُ واقفًا هناك

أعرفُ أنّهم يخبئونكِ مني

لم أقل لأحدٍ بعد إنّك هنا

لأنّ هذه الممرضةَ المجنونة ستفرغُ حقنةً أخرى بشرياني

في الأمسِ أمي أتتْ إلى هنا

كانتْ تريدُ أنْ تأخذني معها إلى المغارة

مسحتْ بتمثالها الصغير وجهي

كانتْ تقول: اسجدْ

هذا قد يشفيكَ

لكني أريدُ البقاءَ هنا

هؤلاء المجانين لا يستطيعون رؤيتَكِ

لكنكِ جلستِ قربي

وبخوفٍ نظرتِ إلى السماءِ

خذي سيجارةً أخرى

ربّما نحن قد هرمنا

إلى الحدّ الذي أنتِ تجلسين على الكرسي وتنامين

وأنا أُقسم ذكرياتنا.

قراءة المزيد

قصائد الأيام الماضية

قائمة الشعراء