ذاكرة الطين

حين أجمع قِطعَ الإبريق
القديم المكسور،
فأنا أجمع قِطعَ الذاكرة،
وأحسُّ من خلال دفءِ يديَّ
بأنفاس الطين تنادي.
أواه، كم ثمِلَ الطينُ بأكمله
من لمساتك الذهبية، أيها الخزّاف،
واستحال بلمح البصر
تارة إلى إبريق، وتارة إلى آيل.
لقد رأيتُ: كنتَ تعامِلُ الطينَ كصديق،
وقد أنعشتَ جسدَهُ بالدموع،
فتألّق سحرُ البديع المُطلق
مكتملًا حتى النهاية.
أخرجوا الإبريق من النار من "يدِه"،
وراحوا يجسّون النبض فيه
ويسمعون كيف إنه يخفق،
راح الخزّاف يلوِّح بالكأس لثلاثة أيام،
ومن ثم صاح قرب النار المتقدة:
"لن ينكسر أبدَ الدهر!"
إني أشعرُ:
لطالما أحبَّتِ المرأةُ
أنْ تحملَه بيديها. بينما راح الرجل
يتوقُ لكي يلمسَ ذلك الإبريق
وقد ارتسمت على شفتيه
ابتسامةٌ ثَمِلة.
صَبَر الإبريقُ على البرْدِ وعلى الحَرِّ،
وحمل أيَّ ثقلٍ بكلِّ محبّة!
كان يضطرب بكلّ كيانه وهو يخطو
من النبع كلّ صباح!
قاموا بوضعِه في صفٍّ من الأباريق،
فقرَّر أنْ يقف بكلِّ بساطة وبتواضع،
لكنه أحسَّ فجأة:
كما لو أنّه مكسور،
أنَّ جنبيَه يحترقان،
فَأدركَ: إنهم يضعون فيه سُمًّا،
كثيفًا مثل العسل،
لكنه أسودٌ، أسوَد، شديد السواد!
اندفع عن الرفِّ، وهوى إلى الأسفل –
كما لو من أعلى الجبل،
فلم يبقَ منه سوى الشظايا!
عندما أجمع شظايا
الإبريق العتيق المكسور،
فأنا أجمع بقايا الذاكرة،
أنا أستعيد ذاكرة الطين!
المصدر: مجلة الآداب العالمية.
قراءة المزيد

قصائد الأيام الماضية

قائمة الشعراء