حافة نهر ملآن

 

جلستْ لحظةً ثم نهضتْ

لم تر عيني سوى إلهة جالسة

لم يتسنَّ لبصري أن يلمح

كيف ومض السيف، وصار صدر الأرض

مثل نبعٍ فوَّارٍ للمحة واحدة.

 

متماوجةً اجتاحت قلبي هذي الأمنية

ليت هذه الشجيراتِ الشائكةَ سلسلةُ جبال

على سفْحها أقف أنا بثبات

إنْ يتحقَّق مثل هذا المستحيل

فلم لا يستحيل سرير الأوراق الجافَّة المفروش على الأرض

إلى آلة طرب.. إيقاع وموسيقى

اللحن الذي انتبهتْ إليه أذنك توًّا

ولم يتسنَّ لها أن تسمعه، بل حُرمت من سماعه

لم تسجِّل شبكيَّة عيني في أغوار عقلي

سوى إلهة جالسة.

 

أتذكَّر أن أذني كانتا تنتبهان

حين يتناهى إليهما صوت تململ من خشخشة الأوراق الجافَّة

وكلُّ طيَّة في السَّفح تومض

علَّه كان يسقط عليها ظِل ذاك السيف

الذي انسلَّ في لمحةٍ من موضع مستور

كما يلمع البرق بغتةً بارتجال.

 

لكن انمحت كل طيَّةٍ في هذا السَّفح الرطيب

اختفت عروس البحر حالما رأيتها

ظللت واقفًا، لم ألمح (للأسف!)

كيف ومض السيف، وصار صدر الأرض

مثل نبع فوَّار للمحة واحدة.

 

أنا لست واقفًا الآن على السَّفح

ولا الشجيرات الشائكة سلسلة جبال
بل هي حجاب يتراءى لي على جانبه الآخر
منظر غريب يتلألأ، صورة عروس نقيَّة مصون.

 

أتخيل نفسى الآن عريسًا

سأصحبها إلي الموضع المستور خلف هذا الحجاب

كيف ومض السيف، وكان صدر الأرض

يتململ مثل فؤادٍ ملتاع

بغتة وبارْتجال كوميض البرق

بزغت عروس البحر من خَلْوتها!

كانت الحياة دافئة وفي كل قطرةٍ قدم نَّدِيّة

تنزلق على الأوراق الجافَّة

كنت أنا أيضًا هناك.. يَرَقة مجهولة

رأيت الغيمة انشقَّت، فانهمر منها السَّيل

وبسرعة البرق أطلق القوسُ سهمًا

انثنى، ثم اهتزَّ راجفًا وسقط

كحَجرٍ يسَّاقط من قمَّة جبل

لا شيء يوقفه، لا شيء

على سرير الأوراق الجافَّة المفروش على الأرض

استلقت تلك الحوريَّة الغريبة.

 

وأنا، يرقة مجهولة

ظللت أحدِّق، وأحملق إلى السَّراب

عسى أن تتبدَّى الآن أية عروس بحر

أقبض على الناي بيديَّ وأصير راعيًا حلاَّبًا

لكن أنَّى تأتي عروس البحر؟ لقد رأيتها الآن

على ذاك السرير، مستريحة، متراخية

غير أني للأسف ما أزال أقف وحيدًا

يدي ملطَّخة، مبتلَّة، وبصري مضبَّب

لم تكن ثمة أنامل تمسح دموع عينيّ!

 

 

قراءة المزيد

قصائد الأيام الماضية

قائمة الشعراء